الثروة المائية في الوطن العربي
مقالات :
o
الثروة المائية
في الوطن العربي.. مشاكل بانتظار حلول
تحدثنا في
الأسبوع الماضي عن مصادر الثروة المائية العربية، وأشرنا إلى أثر هذه الثروة في
قيام الحضارات التي نشأت على هذا الجزء من كوكبنا الأرضي، وتحدثنا عن الصراعات
السياسية التي نشأت في هذه المنطقة في العصر الحديث من أجل السيطرة على هذه
الثروة، سواء كمصدر للري والحياة، أو كممرات وطرق للمواصلات. وتوصلنا إلى أن
المحاولات المستعرة لنهب هذه الثروة من قبل القوى الخارجية المجاورة، هي أحد
المخاطر الرئيسية التي تهدد الأمن القومي العربي. ووعدنا بمتابعة المناقشة، وصولا
إلى الكيفية التي تتم بها معالجة المشاكل التي تتعرض لها الأمة العربية، في ما
يتعلق بهذه الثروة، والخروج بصياغة استراتيجية عربية موحدة لتأمين تدفق المياه
للوطن العربي، والحفاظ على الثروة المائية الكامنة فيه
تداء يجدر
التنبه إلى أن ثروة الوطن العربي من المياه الجوفية تتركز في ثلاث مناطق: الأولى
بالحوض الليبي وتقدر ب 250 ألف كيلو متر مكعب، والثانية أحواض النيل وصحراء مصر
الغربية وتقدر ب 250 ألف كيلو متر مكعب، والثالثة أحواض شبه الجزيرة العربية وتقدر
ب 20 ألف كيلو متر مكعب. –
في بعض الأقطار
العربية النفطية الغنية أقيمت مشاريع كبرى لتحلية المياه، وصلت طاقة التحلية في
بعضها إلى أكثر من 2،5 مليون متر مكعب يوميا، وتعتبر من أعلى طاقات التحلية
بالعالم، ففي دول الخليج العربي بلغت طاقة التحلية نحو 4.1 مليار متر مكعب سنويا،
أي بمعدل 3،8 مليون متر مكعب يوميا، و9.43 متر مكعب في الثانية، بما يعادل نصف
غزارة نهر العاصي عند مصبه في البحر الأبيض المتوسط. إلا أن تلك المشاريع تكلف
مبالغ طائلة لا تستطيع الأقطار العربية الفقيرة مجاراتها. إضافة إلى أنها تحتاج
إلى تكنولوجيا متطورة عالية واختصاصيين مهرة ومصادر للطاقة، ما يجعل نجاحها وضمان
استمرارها مرتبطا إلى حد كبير بوجود علاقات وثيقة لهذه الأقطار بالدول القادرة على
توفير هذه التكنولوجيا، بما يجعل السياسة الاقتصادية للأقطار العربية مرتبطة إلى
حد كبير بمصالح الدول الصناعية المصدرة لتلك التقنيات. -
وتواجه مشروعات
الثروة المائية في الوطن العربي مشاكل عدة، منها الهدر الكبير للمياه، خاصة في
القطاع الزراعي، والخراب الحاصل للمياه الجوفية وزيادة الأملاح فيها، والتبخر
الكبير الذي تتعرض له الأنهار الكبرى، وقلة الموارد المائية، وصعوبة تأمين
الاحتياجات اللازمة في الوقت والمكان المناسبين. وأخيرا، تواجه مشاريع الاستثمار
خطر استمرار الدول المجاورة للوطن العربي، والتي تنطلق منها تلك الأنهار، في
الاستيلاء على مياهها، كما هو الحال مع النيل ودجلة والفرات. إن من شأن ذلك أن
يؤدي إلى حدوث خلل مرعب في جريان مياه تلك الأنهار. ومن جهة أخرى، فهناك التحدي
الصهيوني المستمر، المتمثل في الاستيلاء على مياه نهر الأردن والضفة الغربية وجنوب
لبنان، والجولان ومياه الليطاني
ولا
شك في أن هذه المشاكل من المعوقات الحقيقية لتحقيق النهوض الاجتماعي والاقتصادي
للوطن العربي، ولذلك فإن أية محاولة جادة للخروج من مأزق التخلف الراهن لا بد أن
تأخذ بعين الاعتبار أن يكون في مقدمة مهامها التصدي لها، ووضع الحلول للتغلب
عليها، إذا ما أريد لهذه الأمة أن تأخذ مكانها بجدارة بين الأمم.
وفي هذا السياق، يجدر التنبه إلى أن الهدر الكبير للمياه، خاصة في
القطاع الزراعي، والخراب الحاصل في المياه الجوفية، وتزايد نسبة الأملاح فيها هي
من أبرز المشاكل التي يواجهها الأمن المائي العربي. كما أن عمليات الاستنزاف
السريع، وغير المبرمج للمياه الجوفية أدت إلى تدهور نوعية المياه. ففي القطر
السوري، على سبيل المثال، استنزفت أحواض القلمون والسلمية والمسلمون، ما أدى إلى
جفاف آبارها وأفلاجها. كما تم استنزاف الآبار، وأجزاء كبيرة من مخزون الطبقات
المائية في أحواض العين وسهل الحصى في دولة الإمارات العربية المتحدة، وحوض سهل
باطنة في سلطنة عمان، وأحواض تهامة في اليمن، وحوض الجفارة في ليبيا، وأحواض
المناطق الوسطى في تونس. وفي البحرين، تعرضت طبقات مياهها الجوفية لغزو مياه
البحر، في المنطقة المحيطة بجزيرة سترة بشكل خاص. وفي منطقة الاسكندرية والدلتا
بمصر، أدى الاستخدام المتزايد للمياه الجوفية إلى زحف خط تماس المياه المالحة
والمياه العذبة إلى بعضها بعضاً. وفي الأردن، تخطت الكميات المستعملة من المياه
الجوفية الحد الآمن للأحواض الجوفية بنحو 237 مليون متر مكعب سنويا. وهذا يعني أن
هناك استنزافا مفرطا لمعظم الأحواض الجوفية المائية
في
الأقطار العربية النفطية، تقوم شركات ومؤسسات النفط بضخ المياه إلى آبار النفط،
وحقنها بكميات عالية لتسهيل عمليات الاستخراج، ما يلحق خسائر كبيرة بهذه الثروة.
ومن جهة أخرى، تتعرض الموارد المائية السطحية في الوطن العربي إلى
تبخر كميات كبيرة منها، وخصوصا في منطقة الأهوار جنوب العراق، ومنطقة المستنقعات
جنوب السودان، فضلا عن التبخر الكبير الذي تتعرض له السدود ومجاري الأنهار الكبرى،
وتتراوح كميات المياه المهدورة بفعل التبخر بين 70 و100 مليار متر مكعب سنويا.
إلى جانب ذلك، فإن عدد السكان العرب يتزايد بمعدلات كبيرة تقدرب 7.2%
سنويا حيث يقدر تعداد السكان بما يقترب من ال 300 مليون نسمة. ويعد هذا المعدل
مرتفعاً نسبياً، بالمقارنة بمعدل النمو السكاني في العالم، والذي يبلغ 1،6% سنويا
الآن. وعلى هذا الأساس، فإن معدل النمو السكاني الحالي يتضاعف كل 25 من الأعوام
تقريبا. ومن المتوقع أن يصل إلى 493 مليون نسمة في عام 2025م. ومن شأن ذلك إضافة
أعباء جديدة صعبة إلى قضايا الأمن المائي العربي، ما لم يتم تدارك الأمر ويتحقق
مزيد من الكفاءة في إدارة الثروة المائية، ويجري تحسين طرق استغلالها.
وتعاني الثروة المائية أيضا، من مشكلة التلوث الناتج عن المخرجات
السائلة للأنشطة الصناعية، ومياه الصرف الزراعي، وما تحتويه من بقايا أسمدة
ومبيدات حشرية، ومن مياه الصرف الصحي. ومن المؤسف أن بعض الأقطار العربية لا زالت
تلقي بمخلفاتها الصناعية السائلة في الأنهار، كما هو الحال في العراق وسوريا
والأردن ومصر والمغرب، ففي مصر، على سبيل المثال، يلقى 50% من المخلفات السائلة
الناتجة عن الصرف الصناعي في نهر النيل وترعه. ويلقى 10% من هذه المخلفات بالمياه
الجوفية. وقد تحتوي النفايات الصناعية على معادن ثقيلة سامة يتعذر تحللها، سواء في
الأوضاع الطبيعية، أو في مرافق معالجة مياه المجاري. وما لم تعالج مشكلة هذه
النفايات عند مصادرها، أو يتم العمل للحيلولة دون وصولها إلى مجاري المياه، فستظل نوعية
المياه تحمل مخاطر جسيمة.
.
وهناك أيضا المخاطر الصحية والبيئية المتأتية من الاستخدام غير
السليم للأسمدة ومبيدات الآفات. وقد ارتفعت نسبة استخدام الوطن العربي من الأسمدة
الكيماوية في السنوات الأخيرة بشكل كبير. ومن المعروف أن هذا النوع من الأسمدة
يسهم في تلويت المياه السطحية، ولا تستفيد المحاصيل منه إلا بنسبة 50%، وتأخذ
النسبة الباقية طريقها إلى مياه الصرف والأنهار. أما المبيدات الحشرية، فإن
استهلاك الوطن العربي منها يقدر بمائة ألف طن سنويا. ولا تمثل الكمية التي تقع على
الآفات المستهدفة سوى 1% من الكميات المستخدمة. ويلوث الباقي النظم الأيكولوجية،
ومنها الثروة المائية.
ويبقى على رأس قائمة الأولويات، التي ينبغي التركيز عليها، بعد أن
تحدثنا عن المشاكل، التي تواجهها هذه الثروة، ذاتية وموضوعية، صياغة استراتيجية
قومية للحفاظ على هذه الثروة، وتأمين مستقبل هذا الجيل والأجيال القادمة في الوطن
الكبير. وذلك ما سوف تكون لنا معه وقفة في حديث آخر، بإذن الله.
كاتب أكاديمي سعودي متخصص في السياسة المقارنة
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/e37b36a7-975f-4c96-bd8b-eb3b818977e3#sthash.TBvenDoS.dpuf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق